الوصفة العلاجية القرآنية والنبوية لداء التكفير والنهي عن التصدير بالحكم على بواطن الناس


الوصفة العلاجية القرآنية والنبوية لداء التكفير والنهي عن التصدير بالحكم على بواطن الناس
 إن مجال المعركة بين عناصر المنظومة البشرية بتعدد موضوعاته ( فكريا أو عقيديا أو مذهبيا ) ، بات يتسنم ذروة الفزع الأرضي ، ومنحدر التكفير أصبح المنحدر البشع الذي انتكست فيه شرذمة من هؤلاء الذين فقدوا لوازم الإدراك ،  وارتكست أقدامهم في حمأته بعقول خابية الظلام  ، وأطلقوا عنان غلوهم في كل اتجاه ، فراحوا يلتذون مشاهد التكفير ، بل وأقاموا حدوده على الناس ، تلك الحدود المروعة العنيفة التي تنتهي بهتك قمص الأمان وتستبيح الدماء ، وبهذا الارتكاس تجاوزوا صفات السباع والوحوش ، فالوحوش تفترس لتقتات ، لا لتلتذ بآلام الفريسة في شراهة وفجيعة .
إن هؤلاء الذين يظنون في رأيهم تعويلا على تصرفات الناس فكفروا من كفروا ، وأسلموا من أسلموا ، لم تسقهم إلى هذه المهاوي إلا نعرات فكرية متعصبة ، فاتخذوا مسألة التكفير ألعوبة يصرفونها حسب أهوائهم ، فباقوا بالشر ، وانفجر بركان الفتنة المدمر ، فقذف الأمة بل والإسلام بحممه .
وتتناغم السنة مع القرآن في نفس القضية ـ كغيرها ـ  فقد ساق النبي r أفئدة أصحابه على أنساق تتسق مع نظم وتوجيه القرآن ، فهذا أسامة بن زيد رضي الله عنهما فيما ورد عنه أنه قتل رجلا شهر عليه السيف فقال:  ]لا إله إلا الله  [ فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإنكار، وقال: أقتلته بعدما قال: ] لا إله إلا الله ؟[  فقال: إنما قالها تعوذا من السيف؟ فقال: هلا شققت عن قلبه؟! وفي بعض الروايات: كيف لك بـ ] لا إله إلا الله  [يوم القيامة ؟ ) ، وفي هذا التوجيه سبق من رسول الله لقلب أسامة وغيره من الأصحاب لاجتثاث الظن في التكفير ، فالوقاية أنجع من العلاج ، ومنه أيضا ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا إلى فدك فأغاروا عليهم ، وكان مرداس الفدكي قد خرج من الليل وقال لأصحابه : إني لاحق بمحمد وأصحابه فبصر به رجل فحمل عليه فقال : إني مؤمن فقتله فقال النبي r: هلا شققت عن قلبه [ ، وعليه فمجرد الجزم بالحكم على بواطن الناس زلل في المخاطر .
وإن من حكمة الله تعالى أن تكون العقيدة مجردة من الزينة والطلاء ، واضحة في أحكامها ، لا تجامل أحدا على حساب أحد ، ولا تظلم عاصيا لحساب مطيع ، ولا كافرا لحساب مؤمن ، ليقبل عليها من يقبل وهو على يقين من نفسه أنه يريدها لذاتها خالصة لله من دون الناس ، ومن دون ما تواضعوا عليه من قيم ومغريات ، ولينصرف عنها من يبتغي المطامع والمنافع ، ومن يشتهي الزينة والأبهة ، ومن يطلب المال والمتاع ، ومن يقيم لاعتبارات النفس وزنا حين تخف في ميزان الله .
يقول الشيخ محمد عبده ( ليس لمسلم مهما علا كعبه في الإسلام على آخر مهما انحطت منزلته فيه إلا حق النصيحة والرشاد ، ولقد اشتهر بين المسلمين وعرف من قواعد أحكام دينهم أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ، ويحتمل الإيمان من وجه واحد ، حمل على الإيمان ، ولا يجوز حمله على الكفر )  ، قال تعالى :
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا  [ ، ( قال ابن عباس كان رجل في غنيمة له ، فلحقه المسلمون , فقال السلام عليكم فقتلوه ، وأخذوا غنيمته ، فأنزل الله في ذلك إلى قوله : ] تبتغون عرض الحياة الدنيا [ تلك الغنيمة ، و] ألقى إليكم السلام [ نطق بالشهادتين أو حياكم بتحية الإسلام ، ] لست مؤمنا [ أي تقولون لم يؤمن حقيقة إنما نطق بالإسلام تقية ) ، وقد نبههم القرآن ونههاهم عن التصدير على ما في القلوب ، وأنه من ضروب ركوب الأخطار ، وخوض الغمار ، ومد إليهم حبلا فاصلا ليعتصموا به عند ورود ما يثير سخائم القلوب ويؤلب المنابذات ، وهذا توجيه يسبق الدواء ، محمول على القول : ( الوقاية خير من العلاج ) وذلك لئلا يسقط المؤمن في هاوية التكفير ، ولا تراوده نفسه أن يخلع رداءه النظيف الطاهر ، وينغمس في الحمأة المبهمة .
يقول الشيخ الألباني ( إن تكفير المسلم يجب أن يكون بضوابط شرعية وفقه وتثبت ، ولا يكون ذلك إلا للعلماء الراسخين فهم الذين يحكمون على فلان بأنه كافر لمعرفتهم بالأدلة والشروط والموانع لهذه المسألة فلا يجوز تكفير المسلم بمجرد وقوعه في خطأ أو معصية  ) ويقول الإمام القرطبي في تفسير الآية السابقة ( إن في هذا التوجيه الإلهي من الفقه باب عظيم ، وهو أن الأحكام تناط بالمظان والظواهر ، لا على القطع واطلاع السرائر ، فالله "تعالى" لم يجعل لعباده غير الحكم بالظاهر .


تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.

عن الكاتب

دكتور / محمد عبد الدايم علي سليمان محمد الجندي الجعفري

0 التعليقات لموضوع "الوصفة العلاجية القرآنية والنبوية لداء التكفير والنهي عن التصدير بالحكم على بواطن الناس"


الابتسامات الابتسامات

:)
:(
hihi
:-)
:D
=D
:-d
;(
;-(
@-)
:P
:o
:>)
(o)
[-(
:-?
(p)
:-s
(m)
8-)
:-t
:-b
b-(
:-#
=p~
$-)
(y)
(f)
x-)
(k)
(h)
(c)
cheer