د/ محمد عبد الدايم الجندي يكتب : عمارة الأرض في الإسلام رسالة الإسلام إلى عالمنا اليوم



عمارة الأرض في الإسلام
رسالة الإسلام إلى عالمنا اليوم
نؤثر استعمال المصطلح الإسلامي (عمارة الأرض) لأن دلالات هذا المصطلح تتضمن معاني الوسيلة التي تتحقق بها التنمية كما تتضمن - في الوقت نفسه - الهدف من هذه التنمية.
وتتمثل عمارة الأرض في الإسلام في كل الوسائل التي يمكن من خلالها إحداث مختلف أنواع التنمية، سواء أكانت اقتصادية (صناعية، زراعية) أم حضرية أم اجتماعية أم صحية أم روحية...إلخ ، كما أن عمارة الأرض تمثل الهدف الرئيسي للتنمية المستدامة، فضلا عن كونها غاية دينية ومقصدا شرعيا. فالله خلق الإنسان لكي يضطلع بثلاث مهام رئيسية، هي: عبادة الله لقولـه تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وخلافته في الأرض لقوله عز وجل: ﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ، وعمارتها استنادا إلى قول الحق تبارك وتعالى: ﴿ وإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ .
 ومن الناحية اللغوية فإن معنى ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا هو: فوّض إليكم أن تعمروها .
ومن الملاحظ أن ثمة ارتباطا وثيقا بين هذه المهام الثلاث، وتداخلا أيضا ، فعبادة الله هي من الخلافة في الأرض ومن عمارتها، والخلافة هي من عبادة الله، ومن عمارة الأرض كذلك.
    وقد حث الإسلام على عمارة الأرض ، وكتب السنة مليئة بذلك :
ففي الحث على الغرس والتشجير والزرع: روى البخاري عن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله e قال: "إن قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها".
وليس هناك تحريض على الغرس إلى آخر رمق في حياة الإنسان أقوى من هذا الحديث، لأنه يدل على الطبيعة المنتجة والخيرة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان المسلم. والعمل هنا يجب أن يؤدى لذات العمل، لأنه ضروري للقيام بحق خلافة لله في الأرض.
وقد رغبت السنة النبوية في الغرس والتشجير وفلاحة الأرض، وجعلت ثواب ذلك أجرا عظيما، فكل ما يصاب من ثمار الأشجار والزروع هو صدقة ينميها الله عز وجل لصاحبها إلى يوم القيامة، بما في ذلك ما تصيبه أحياء البيئة من طير وسباع وحيوان ودواب وحشرات. فعن أنس (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله e :
(ما مِنْ مُسلمٍ يَغرِسُ غَرْساً، أو يَزْرَعُ زَرْعاً فيأكُلُ منه طَيْرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ، إلاَّ كان لهُ بهِ صَدَقة).
وعن خلاد بن السائب عن أبيه قال: قال رسول الله e : (من زرع زرعاً فأكل منه الطير أو العافية كان له به صدقة)
ومن الملاحظ أن هذه الأحاديث تحث المسلم – من طرف خفي – على أن يدع أحياء البيئة (من طير وحشرات وغيرها) تأكل من زرعه غير آسف على ذلك ، فالله هو الرزاق، وهو يرزق كل ما خلق، وليس على الإنسان أن يمنع مخلوقات الله من أن تحصل على طعامها مما أنبته الله، وعليه أن يطمئن إلى عِظَم الجزاء الذي سيكون له عند مولاه نظير ما أخذته هذه المخلوقات من ثماره وحبوبه وزروعه.
ولما كان حفر الأنهار والقنوات من مستلزمات الزراعة حثت السنة النبوية على ذلك، وجعلت شق الأنهار من الأعمال التي يلحق ثوابها المؤمن بعد موته. وقد بين رَسُول اللّه e فيما رواه أبو هريرة أَن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بَعْد موته: علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله فِي صحته وحياته، تلحقه من بَعْد موته) .
وإذا عجز المرء عن زراعة أرضه لأي سبب كان (لعذر جسماني أو مادي مثلا) فإن عليه ألا يترك الأرض لتبور، بل عليه أن يعطيها للقادر على زراعتها. فعن جابر رضي الله عنه قال:  قال النبي e : (مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه) .
وعن أبي النجاشي مولى رافع بن خديج، قال: سمعت رافع بن خديج بن رافع عن عمه ظهير بن رافع، قال ظهير: "لقد نهانا رسول الله e عن أمر كان بنا رافقا. قلت: ما قال رسول الله e فهو حق. قال: دعاني رسول الله e ، قال: (ما تصنعون بمحاقلكم؟) قلت: نؤاجرها على الربيع وعلى الأوسق من التمر والشعير. قال: (لا تفعلوا. ازرعوها،
أو أزرعوها، أو أمسكوها). قال رافع: قلت سمعا وطاعة.
وفي مجال إحياء الأرض الموات حث الإسلام على إصلاح تلك الأرض وزراعتها وجلب الماء إليها. فعن عائشة (رضي الله عنها) عن النبي e أنه قال:
 (من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق، أي أحق بها  وقال عمر (رضي الله عنه): (من أحيا أرضا ميتة فهي له) .
 ولا يخفى أثر إحياء الأرض في زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني، فضلا عن دوره في المحافظة على التربة ومنع تفكّكها وتعرضها للتصحر .
   وفي مجال العمل والصناعة ، حث الإسلام على العمل اليدوي للاستغناء به عن سؤال الناس. فعن المقدام رضي الله عنه أن رسول الله e قال: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) .
ومن المعروف أن نبي الله داود كان يصنع الحديد كما أخبرنا القرآن الكريم عنه في قوله تعالى:  ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ  أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
فعن عبدِ الله بنِ عبدِ الرحمٰنِ بنِ أبي حُسَيْنٍ أنَّ رسولَ الله e قال: (إنَّ اللهَ ليُدخلُ بالسَّهمِ الواحدِ ثلاثةً الجنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، والرَّامِي بهِ، والمُمِدَّ بهِ...) .







تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.

عن الكاتب

دكتور / محمد عبد الدايم علي سليمان محمد الجندي الجعفري

0 التعليقات لموضوع "د/ محمد عبد الدايم الجندي يكتب : عمارة الأرض في الإسلام رسالة الإسلام إلى عالمنا اليوم"


الابتسامات الابتسامات