هذا هو الإسلام ،، تسامح ومحبة ووئام
شواهد تاريخية واقعية في الظلال الوارفة للتسامح الإسلامي :
حيرة انتابتني وأنا أسطر مشاهد من التسامح الإسلامي الواردة في صفاح التاريخ ، لأن الإسلام كله تسامح ، وليست تحصى فأحصيها ، ولا هي مما يستقصى فأختار بعضا من نواحيها ، ولكن الضرورة دفعتني لألتقط دررا قليلة من عمق ملئ بالجواهر المكنونة ، إذ لا زالت طلائع سود تطبق سهوب السماء خيلا ورجلا ، وكتائب غبراء ألحقت الوهاد بالنجاد ، ومزقت الصدور بالسخائم والأحقاد ، إنها غربان استنفرت فصدرت من أوكارها ، تموج في سماء الصفاء التاريخي ، لتلقي من وابل السحب الركام على سماحة الإسلام ، وتغلق عن الأبصار منافذ التاريخ عند مطالعة ما تواري من عظمة المعاملة الإسلامية ، ولكن الحق أبلج والباطل لجلج ، إنه يرتعد أمام صولة الحق وجولة الحقيقة ، فالتاريخ الإسلامي قد امتلأ إناؤه من صور التسامح العملي حتى طغى،نذكر منها غيضا فيما يلي :
المشهد الأول : النبي r بالتسامح يفتح بسائط القلوب للإسلام :
سخر الله بتسامح النبي r قلوب الناس له ، حتى زج فيها عناصر الأخلاق واحدا تلو الآخر ، ومن يلج مسير التاريخ يدهش في وقائعه وهو يستقرئ بين دفتيه كثيرا من هذه المشاهد التي حطت ركاب القلوب عند باب النبي rمستسلمة وخاضعة ، يروي الحاكم وغيره ، عن زيد بن سعنة أنه قال : " لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه محمد r حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله ، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فكنت أتلطف له لأن أخالطه ، فأعرف حلمه وجهله ، فابتعت منه تمرا إلى أجل فأعطيته الثمن ، فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ قلت : ألا تقضيني حقي يا محمد فوالله إنكم يا بني عبد المطلب مطل ، فقال عمر : أي عدو الله ، أتقول لرسول الله rما أسمع ؟!! فوالله نفسي بيده لولا ما أحاذر قسوته لضربت بسيفي رأسك ، ورسول الله r ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ، ثم قال:" أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر،أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التقاضي ، اذهب به يا عمر فأقضه حقه ، وزده عشرين صاعا مكان ما رعته"ففعل ، فقلت : يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما فقد اختبرتهما ، أشهدك أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ([1]).
إنه مشهد تتوارى أمامه صور الغلو والتعسف ، وليس ذلك بدعة مستحدثة ، ولا أخلاق مستهجنة في منهج النبي r لا .... إنه طبيعة الإسلام التي فتح بها النبي قلوبا تلهت بعبادة الحجارة والأوثان ، وتلذذت بتراهات الجاهلية ، وشهد التاريخ بذلك .
المشهد الثاني : التاريخ الإسلامي يجسد ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ([2]) :
لعل القارئ يعجب ـ مع اتساع مساحة الزمن بين عهد النبوة وأيامنا ـ حين يستقرئ التاريخ ويمر على منهج النبي r في تعامله مع غير المسلم ، إنه جسد قول الله تعالى " لا إكراه في الدين "([3]) ويذعن لقوله:" ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "([4]) فمزق بنور تلك الفضيلة المتسامحة الظلمات ، وجلا بروح الإسلام غياهب الضلالات ، وقد ذكر المؤرخون أن رجلا يقال له " الحصين من بني سالم بن عوف " ، كان له ولدان مسيحيان وهو مسلم ، فسأل الرسول rعما إذا كان يجوز له أن يكرههما على اعتناق الإسلام وهما يرفضان كل دين غير المسيحية ، الرسول r عن ذلك ([5]) ، كما كانت إحدى نساء بني قريظة وتدعى " ريحانة " من نصيب النبي r بعد محاربته قومها ، فعرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب ، فقالت : بل تتركني في ملكك ، وأبت إلا اليهودية ، فقربها الرسول r حتى أسلمت بعد ذلك، كما كتب إلى معاذ بن جبل وهو باليمن ألا تفتن يهوديا عن يهوديته ([6]) .
المشهد الثالث : تسامح حتى في العبادة :
لا حرج أن يعنف النبي r صحابيا شدد على الناس في العبادة من منطلق طبيعة تقواه ، ولم يراع تفاوت الناس في إيمانهم وقوتهم ، إنه تعنيف شديد لإبقاء خلق التسامح ، ومن هو الصحابي ؟! إنه معاذ ، وما أدراك ما معاذ ، فقد كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي r ثم يرجع فيؤم قومه ، فصلى العشاء فقرأ البقرة ، فانصرف الرجل ، فكأن معاذا تناول منه ، فبلغ النبي r فقال : فتان فتان ( ثلاث مرات )
أو قال فتاناً فتاناً فتاناً ، وأمره بسورتين من أوسط المفصل ([7]) وفي رواية ابن عيينة عند مسلم " اقرأ بالشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، وسبح اسم ربك الأعلى " ([8]) .
أو قال فتاناً فتاناً فتاناً ، وأمره بسورتين من أوسط المفصل ([7]) وفي رواية ابن عيينة عند مسلم " اقرأ بالشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، وسبح اسم ربك الأعلى " ([8]) .
المشهد الرابع : متسامحون تربوا في معية النبي r :
لا يستطيع عقل أن ينكر الحقيقة ، إلا عقل مظلم خابي الشعاع ، ويالها من حقائق سردها التاريخ ، تنبي عن مشاهد تترى من تسامح الصحابة لتقول للعالم : " إن محمدا فينا باق بسماحته ما بقيت في الأرض حياة " إنه خلد الرسالة المتوالد مع تدافع الأرحام إلى يوم القيامة ، وهنا نتوارى في خطو حفيف لنلتقط بعضا من المشاهد التسامحية في تاريخ الصحابة فيما يلي :
كان الفاروق عمر tبالشام وحانت الصلاة ، وهو في كنيسة القيامة ، طلب منه البطريق أن يصلي بها ، وهم أن يفعل ، ثم اعتذر بأنه يخشى أن يصلي بالكنيسة فيدعي المسلمون فيما بعد أنها مسجد لهم فيأخذوها من النصارى ، وكتب للمسلمين كتابا يوصيهم فيه بألا يصلوا على الدرجة التي صلى عليها إلا واحدا واحدا ، غير مؤذنين للصلاة مجتمعين ([9]) ، وتتوالى الأحداث ويخوض عمر الفاروق الغمار السمح ، فلم ينزل على أحد بجوائح السطوات ، ولم يجس الخلال بوابل النقمات ، إن امرأة جاءته ( وهو خليفة المسلمين ) في حاجة وكانت مشركة ، فدعاها للإسلام فأبت ، فقضى لها حاجتها ، لكنه خشي أن يكون في تصرفه هذا ما ينطوي على إكراهها للدخول في الإسلام ، فاستغفر الله عما فعل وقال :
" اللهم إني أرشدت ولم أكره " ([10]) .
" اللهم إني أرشدت ولم أكره " ([10]) .
وعلى نفس النسيج المتناغم يسير " عثمان بن عفان " t ، فكان يعطف على شاعر
نصراني ، وهو أبو زبيد ([11]).
نصراني ، وهو أبو زبيد ([11]).
وتسير المنظومة التاريخية ممزوجة بالتسامح تباعا ، دون تعطيل لهذا النظام المتناسق المتشابك الذي
لا تحول بين اتصاله الأيام والسنين ، ففي فتوح البلدان كإيران وبلاد ما وراء النهر ، رسمت حوافر الخيول شعارات التسامح ، ونقشت على الصخور منظومتة مع خطوها المنتظم في الوديان والفيافي ، ويضرب " خالد بن الوليد " t مثالا عظيما في معاهداته مع الكتابيين ، فكان من نصوصها : " ألا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ، وعلى أن يخرجوا الصلبان في أعيادهم " ([12]) ، كما نصت معاهدة
" حذيفة بن اليمان " t مع أهل الذمة على إعطائهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وأرواحهم ، ولا يغيرون على ملة ، ولا يحال بينهم وبين شرائعهم ولهم المنعة ، ولم يقتصر تسامح الفاتحين على الكتابيين ، ولكن أرباب الوثنيات لم يحرموا من روحها ، فعند فتوح السند أيام الدولة الأموية ، استطاع "محمد بن القاسم" أن يرتفع بالبوذيين إلى مصاف أهل الكتاب ، كما حدث مع الزرادشتيين في إيران ، فقد ضم ابن القاسم البوذيين إلى مصاف المعاهدين ، ليتمتعوا بكافة الحريات ، وصالحهم على ألا يقتلهم ، ولا يعرض لبيوت عبادتهم ، ككنائس النصارى وبيع اليهود وبيوت المجوس (13) ، بهذا المنهج ملأت النجوم سائر الأغوار ، وأزالت الكديات والأوعار ، فشاعت انسيابية في الحياة الإنسانية ، وغاب التسيب والاستبداد ، وما تلك إلا ملامح من كتاب كبير ، ملئ بالمشاهد السمحة المنسجمة مع التاريخ الإسلامي .
لا تحول بين اتصاله الأيام والسنين ، ففي فتوح البلدان كإيران وبلاد ما وراء النهر ، رسمت حوافر الخيول شعارات التسامح ، ونقشت على الصخور منظومتة مع خطوها المنتظم في الوديان والفيافي ، ويضرب " خالد بن الوليد " t مثالا عظيما في معاهداته مع الكتابيين ، فكان من نصوصها : " ألا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ، وعلى أن يخرجوا الصلبان في أعيادهم " ([12]) ، كما نصت معاهدة
" حذيفة بن اليمان " t مع أهل الذمة على إعطائهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وأرواحهم ، ولا يغيرون على ملة ، ولا يحال بينهم وبين شرائعهم ولهم المنعة ، ولم يقتصر تسامح الفاتحين على الكتابيين ، ولكن أرباب الوثنيات لم يحرموا من روحها ، فعند فتوح السند أيام الدولة الأموية ، استطاع "محمد بن القاسم" أن يرتفع بالبوذيين إلى مصاف أهل الكتاب ، كما حدث مع الزرادشتيين في إيران ، فقد ضم ابن القاسم البوذيين إلى مصاف المعاهدين ، ليتمتعوا بكافة الحريات ، وصالحهم على ألا يقتلهم ، ولا يعرض لبيوت عبادتهم ، ككنائس النصارى وبيع اليهود وبيوت المجوس (13) ، بهذا المنهج ملأت النجوم سائر الأغوار ، وأزالت الكديات والأوعار ، فشاعت انسيابية في الحياة الإنسانية ، وغاب التسيب والاستبداد ، وما تلك إلا ملامح من كتاب كبير ، ملئ بالمشاهد السمحة المنسجمة مع التاريخ الإسلامي .
*********