حتمية العقيــدة الإسلاميــة في تجسيد المجتمع
إن عقيدة الإسلام هي الأساس القويم الذي تأسست عليه
قواعد الأمة المسلمة، ونسجت على أساسه المنظومة المجتمعية في كل المجالات (
أخلاقية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية ) وهي المعوِّل الذي يُحكم من خلاله على صحة
الأعمال، والدرب الذي سار في نور مشكاته الأنبياء والمرسلون،وهذه العقيدة تبني ولا تهدم، تجمع ولا تفرق، لأنها تقوم
على تراث الرسالات الإلهية كلها، وعلى الإيمان برسل الله جميعاً ، وقد أوجز النبي بناء الأمة والمجتمع بهذه العقيدة، فعندما تشبَّع المجتمع
الأول بروحها، وتضلعوا بعلومها، ومارسوها بصدق وإيمان، وتدارسوها بدقة وإمعان،
نطقت نتائجها على لسانهم، وتطايرت تعابيرها على أحوالهم، لأنها رسخت بمكنونها في
ضمائرهم، فبدت على سلوكهم، تحول عجيب من مجتمع سائب منفلت بلا ضوابط لا حيلة له
إلا تشنيف الآذان بغناء القيان، وإكراه الفتيات على البغاء، والسهر في الطواف
والتمسح بالأصنام، إلى مجتمع له ضابط يهيمن على نظامه، وعقيدة تحكمه وتروضه،
ليزداد قرباً بخالقه، فيتناسق مع الكون الذي يتصدر سبيل القدوة فيه رسول الله ÷ الذي ألقى بنفسه في أحضانه، بعد أن رأى في العقيدة
الإلهية غايته التي ترشده ومجتمعه إلى الحقيقة التي يسمو بها فوق العالمين، فنجا
بمن اتبعه ( من مستنقع الشرك الآسن ، ومن النقرة الضيقة التي
يختنق فيها العقل والروح والوجدان، ومن هذه الخرائب المهجورة التي يعشش فيها
التخلف والسذاجة، وخرج بمجتمعه إلى آفاق التوحيد، ونضج التصور، ونقاء الاعتقاد،
فحرّر عقله وروحه ووجدانه، وأعاد صياغته من جديد ) وأحس الناس بالقوة والمنعة
بالله تعالى، واستشعروا دفئ العبودية وقوة الركن الشديد الذي أصبح غايتهم عند فعل
أي شيء، في كسبهم وأخلاقهم وعملهم وسلوكهم وجهادهم، وأصبح لهم دستوراً إلهياً
يهتدون به،ففطن الأوائل لهذه الحقيقة وعاشوا على عينها حياة عزة وكرامة، لذا لما
استشعروها قاتلوا في سبيلها لنشرها في العالمين، وإثباتها في جوانح البرية، لتركن
إلى الإيمان بالله تعالى الذي له الخلق والأمر، وبيده ملكوت السماوات والأرض،
يجير ولا يجار عليه، يثيب بالجنة ويعذب بالنار، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، يعلم
الخباء في السماوات والأرض، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، إلى آخر ما جاء
في القرآن من قدرته وتصرفه، فتنقلب نفسية الناس بهذا الإيمان الواسع العميق الواضح
انقلاباً عجيباً، فإذا آمن أحد بالله وشهد أن لا إله إلا الله انقلبت حياته ظهراً
لبطن، وتغلغل الإيمان في أحشائه وتسرب إلى جميع عروقه ومشاعره، وجرى منه مجرى
الروح والدم، واقتلع جراثيم الجاهلية وجذورها، وغمر العقل والقلب بفيضانه، وظهر
منه من روائع الإيمان واليقين والصبر والشجاعة، ومن خوارق الأفعال والأخلاق ما
يحير العقل والفلسفة وتاريخ الأخلاق، ويظل موضع حيرة ودهشة إلى الأبد، ويعجز العلم
عن تعليله بشيء غير الإيمان الكامل العميق وهذا ما حققه المسلمون
بإيمانهم الصادق وعقيدتهم القوية، إنهم عاشـوا لله وبالله واستشعروا توحيده بعين اليقين، بعد أن أحيا في قلوبهم وعقولهم تساؤلات
لم يجدوا ما يشفيها إلا في جواب الله عنها، إنه لم يمنعها عن هذه التساؤلات، ولكنه
قدَّرها ولم ينقص من شأنها حتى أخذها بالهداية إلى نور التوحيد، وأخفت فيهـا هوجاء
الشرك وأخمدها، فصدحت الألسنة مسلمة تردّد " لا
إله إلا الله " وعاد البصر خاسئاً وهو حسير، وسلَّمت المواجد برسالة سيدنا
محمد r، فأذعنت في نفس واحد تردد " محمد رسول
الله "، فكانت العقيدة لا تستقيم إلا بجملتين في جملة واحدة، صارت كلمة
واحدة تمثل العقيدة (لا إله إلا الله محمد
رسول الله)، اللهم أحيينا عليها وبها وأمتنا عليها .
0 التعليقات لموضوع "حتمية العقيــدة الإسلاميــة في تجسيد المجتمع المسلم "
الابتسامات الابتسامات