نظرية المؤامرة بين التأصيل والتضليل :
إن القرآن يؤكدما يسمى بالمؤامرة ، وقد صرح الله بها بلفظ المؤامرة في القرآن في تآمر أعدداء موسى عليه ليقتلوه ، قال تعالى : (إنَّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) .
كما حكى ذلك عن مؤامرة اهل الكفر على رسول الله قال تعالى :(وإن يكاد الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) .
والقرآن الكريميحكي أن أهل الكفر ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فيقول تعالى :(وإِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)، ومخطط المؤامرة ضد كل مسلم كشفه علام الغيوب حين قال :(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتَّى تتبع ملَّتهم) ويقول سبحانه: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يردونكم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ)، وقال : (ودُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء)، بل فضح خبث نواياهم ، وعراهم تماما من كل ساتر يخبئون خلفه قذر مقاصدهم التي يصدرونها بألفاظهم الناعمة ، فأحيانا نراهم ناصحين ، وأحيانا معزين ، وأحيانا مهنئين ، وأحيانا ناصحين ، وفي الحقيقة متآمرين يكرهون لنا الخير ، قال تعالى :(ما يود الذين كفروا ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء)، وقال تعالى : (ولا يزالون يقاتلونكم حتَّى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) وفي هذا دلالة على الاستمرار فكلمة (ولا يزالون) تدل على الديمومة والاستمرار زمناً بعد زمن، يقول الدكتور محمد عمارة: "إنهم في الغرب يحجبون عنا علوم التكنولوجيا المتقدمة، ولكنهم يطلبون تغيير عقيدتنا "!!
وتتجلى المؤامرات في مكر الغرب وأهله ومن على شاكلتهم قال تعالى :(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ويقول (إنَّهم يكيدون كيداً * وأكيد كيداً * فمهل الكافرين أمهلهم رويداً) ويقول: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) ويقول تعالى واصفاً إياهم أنَّهم لن يتوقفوا عن المكر فقد مكروا سابقاً ومكروا في زمن رسول الله وسيمكرون لاحقاً فيقول تعالى: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) بل يصف الله عزَّ وجل مكرهم بأنَّه مكر كبَّار دلالة على مبالغتهم في ذلك فيقول:(ومكروا مكرا كبَّاراً) ووصف مكرهم أنَّه من شدَّته لتزول منه الجبال فقال عزَّ وجل (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مكرهم لتزول منه الجبال).
وإنَّ الطغاة وأعداء الإسلام يتوارثون العداء للموحدين جيلاً بعد جيل، ويوصون أبناءهم وتلاميذهم وأتباعهم ويلقنونهم الأساليب المؤذية لهم، قال تعالى:(أتواصوا به بل هم قوم طاغون) وعليه فإنَّ المكر والعداء وتفصيل المؤامرات من أعداء المسلمين سيجري على قدم وساق، وبكل الطرق والأساليب ولو كان مع غير الأنبياء والمرسلين، والقرآن يؤكد هذه الحقيقة فيقول الرب تبارك وتعالى :( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) .
ويكشف النبي مؤامرة الأمم المتحدة علينا فيقول صلَّى الله عليه وسلَّم : (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن . فقال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت) صحَّحه الألباني في الصحيحة بمجموع طرقه .
وفي ظاهر الأمر قد تكون هذه الحجَّة مقنعة لمن كان قاصر التفكير، أو لمن ينظر نظرة عوراء غير شمولية أو صحيحة، ولكنَّه في واقع الأمر يجب أن نُذكِّر هؤلاء بأنَّ مكائد الكفار ضدَّ الديانة الإسلاميَّة مبسوط شرحها وفي مواضع لربما تنيف عن أكثر من مائة آية، ولا يعني أنَّ كل الكفَّار كذلك، ولكنَّ الحديث دائر على الجو العام والمحيط السياسي الكفري ضدَّ المسلمين منذ قديم الزمان وإلى الآن، فلا يفتأون عن معاداة الإسلام وأمَّته ووطنه.
مؤامرة الغرب والصهاينة على الدول العربية والإسلامية :
إن تقارير استراتيجية وميدانية وسياسية تتحدث عن مؤامرة الغرب والصهاينة على الدول العربية لتفتيت كيانها ، وذلك جلي في طريقة التعامل مع الدول الإسلامية والعربية ولعلَّ من أبرزها (تقارير راند) وغيرها، وهنالك كثير من المنظمات السرية والعلنية التي تحيك للدول الإسلامية السوء، وتنسج للتطويح بهذه الدول الإسلامية أو احتلالها، ولعلَّ خير ما يشهد لذلك حالة التدخلات الغربية والصهيونية في الدولة العثمانية واستغلال ضعفها وانهيار اقتصادها للتدخل في شؤونها، ولا ننسى كذلك مؤتمر بال للصهيونية بسويسرا عام 1897م، وما خرج به من مقرَّرات، وكذلك المنظمات الخفية كالماسونية التي تعيث في الأرض فساداً بما لا يمكن إنكاره.
ولا احد يستطيع ان يُنكر أنَّ دولة الكيان الصهيوني المغتصب التي تسمَّى بـ (إسرائيل) لا زالت رافعة فوق ظهر الكنيست علمها الذي يعطيها دلالة يوميَّة لكل من دخل الكنيست أنَّ (أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل، ومن الأرز إلى أرض النخيل).
وحين سقطت القدس القديمة بأيديهم، وبعد أدائهم صلاة الشكر اليهودية عند حائط البُراق قال قائدهم موشي ديان: "اليوم فُتح الطريق إلى بابل ويثرب، هذا يوم بيوم خيبر، وتعالت هتافات النصر التي رددها اليهود المنتصرون: يا لثارات خيبر"!
وهل ينسى فطن احتلالهم وتداعيهم على العراق وتسليمها لمليشيات لا ترقب في مؤمن إلاَّ ولا ذمَّة، وما الحال ببعيدة في أوزبكستان وطاجكيستان وغيرها من بلاد الإسلام، ومؤامرات التقسيم التي حصلت كما حصل في كشمير وفصلها عن الباكستان، والسودان وفصل جنوبها عن شمالها، وسنغافورة وفصلها عن ماليزيا حينما كان دولة كاملة لعقود متطاولة من الزمن.
ولا ننسى تحالفات اليهود والهندوس ضدَّ المسلمين، مع اختلاف العقائد وتباينها، وتحالفات اليهود مع الروس والاختلافات المعمَّقة كذلك بينهم، والتحالفات التي جرت بين أمريكا والروس في حربهما للمجاهدين الشيشانيين.
وما أكثر الأقوال التي تدل على ما قلناه في المؤامرات الخطيرة على أمَّة الإسلام، فالباحث البريطاني توماس إدوارد "لورنس العرب" والذي انضم الى مخابرات الجيش البريطاني عند إعلان الحرب العالمية الأولى، يقول في تقريره السري"سياسة مكة" الذي رفعه إلى المخابرات البريطانية, عام 1916:" أهدافنا الرئيسة: تفتيت الوحدة الإسلامية, ودحر الإمبراطورية العثمانية, وتدميرها, وإذا عرفنا كيف نعامل العرب, وهم الأقل وعياً للاستقرار من الأتراك، فسيبقون في دوامة الفوضى السياسية, داخل دويلات صغيرة, حاقدة, ومتنافرة, غير قابلة للتماسك" وللأسف فقد نجحوا في ذلك!!
ويقول الزعيم الصهيوني بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي: (نحن لا نخشى الاشتراكية, ولا القوميات, ولا الديمقراطيات,,في المنطقة, نحن فقط نخشى الإسلام,هذا المارد الذي نام طويلا, وبدأ يتململ من جديد).
ويقول أحد قادة الماسون: (كأس وغانية يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع ودبابة فأغرقوها، أي أمة محمد أغرقوها في حب المادة والشهوات).
وهل تنسى مقولة هينري كيسينجر وغيره أنَّ أمريكا ليس لها حيال الوطن العربي حينما تراه هادئاً إلا تفجير مشكلة جديدة ينشغل بها عن مستقبله وطموحاته.
وأكثر بمؤامرات العلمانيين واللادينيين من أذناب الاحتلال، فكم يعقدون المؤامرات تلو المؤامرات على المسلمين عموماً ويعوقون الاستقرار في البلاد الاسلامية والعربية فهم الاذناب حقا فاحذروهم .
والمؤامرة أقسام فمنها مؤامرة فكرية يمكن أن نطلق عليها: (الغزو الفكري) وقد كتبوا دراسات وأبحاثاً بعنوان (عقول وقلوب ودولارات) وذلك لتشويه الحقائق وطمس معالم الدين، ولن يستطيعوا .
ومؤامرة في التخويف من الإسلام ووصمه بكل قبيح والمعروفة بـ: (إسلام فوبيا، الإرهاب الإسلامي).
ومؤامرة عسكرية والمعروفة بـ:(الاحتلال العسكري المباشر).
ومؤامرة اقتصادية والمعروفة بـ:(الضغوط والتدخلات الغربية في الشؤون الاقتصاديَّة).
ومؤامرة سياسيَّة والمعروفة بـ :( حق الفيتو) و( وجود حكَّام وكلاء عملاء في أغلب العالم العربي والإسلامي ينفذون أمرهم ويقال لهم ساسة).
ومؤامرة في تفتيت البلاد العربية والإسلاميَّة وتجزئتها أكثر فأكثر، وخلق جو من الفوضى والقلاقل فيها بأسماء مختلفة مثل (الشرق الأوسط الجديد) (الفوضى الخلاَّقة) (حديث التقسيم في البلاد الإسلامية).
ومؤامرة في صنع تحالفات اقتصاديَّة وسياسيَّة وأمميَّة، وحرمان الدول العربيَّة من ذلك كما جرى من التحالف الذي كاد أن يقوده أربكان ـ رحمه الله ـ مع ثمان دول صناعيَّة كبرى، وذلك يدخل في ضمن مؤامرة (التلاعب بموازين القوى).
فيا من تنكرون المؤامرة دعوني أقول :
على كل حال لا يمكن إنكار المؤامرة التي توقدها نيرانها الدولة الصهيونية بمراميها وتوابعها، وللأسف ففي المقابل لدى المسلمين ضعفاً وهزيمة نفسية وفكرية وعقائديَّة ، ولديهم كذلك أسباب خاصة في تردي اقتصادهم وتأخر دولهم واللحاق بحالة الذيلية والتبعية للغرب، وفي الغالب فإنَّ أسباب سقوط الدول تكمن في سببين خارجي وداخلي، وعليه فهنالك مؤامرة من الخارج ولكنها مؤطرة ومعروفة وهنالك أسباب من الداخل ومع إيماني بمؤامرة أعداء المسلمين على المسلمين، فإني أعتقد أنَّ أسباب سقوط الدول، والضعف في داخل البلاد الإسلامية أكبر وأدق في سبب تأخر البلاد الإسلامية وتخلفها من وجود المؤامرة، لأنَّ هنالك نفسيَّة لديها قابليَّة للاستعمار والرضوخ لأوامر الكفَّار.
وفي الوقت نفسه أقول للمبالغين في ( نظريَّة المؤامرة) وتبرير الخطأ بها :
إن شعوبكم وارضكم العربية فيها خير كبير، لا يضمحل ولا يتضاءل ،وإن كنَّا قد أثبتنا وجود مؤامرة حقيقيَّة من أعداء الإسلام على المسلمين، ففي المقابل عند المسلمين الكثير من مظاهر التردي والضعف والتخلف والانقسام، ما يندى له الجبين، ومن الخطأ حينما نكتشف عيباً فينا أن نلقي اللوم على أعداء الإسلام فحسب وننسى أنفسنا الضعيفة أحياناً والأمَّارة بالسوء تارات، ونعتقد أنَّنا برآء وأنَّ المشكلة في غيرنا، ولا يمكن لنا أن نصف مثل هذه الاعتقادات إلاَّ بأنَّها تقفوا طريقة الكسالى حينما يُعاتبون عن تقصيرهم في فعل شيء فيقومون بإلقاء عيبوهم على غيرهم، ويسمَّى ذلك في علم النفس الحديث بـ(أسلوب الإسقاط) بإسقاط الأخطاء على الآخرين وتحميلهم مسؤولية ما اقترفت أيدينا من أخطاء وخطايا أخفقنا من خلالها في صناعة النهضة والتقدم لأمَّتنا المسلمة .
علاج هوس المؤامرة ودحض المتآمرين :
1)الاعتدال في مواجهة المؤامرة وتصويب الاخطاء التي تؤدي الى نجاحها وابطال مفعول قنبلتها بمعالجة انفسنا .
2) العودة إلى منهج القرآن الكريم، والاستعانة بأهل الدراية المسنبطين من المتخصصين في دراسة كيفية معالجته للمشاكل التي نقع بها، فالصحابة حينما سألوا رسول الله عن سبب هزيمتهم في أحد بيَّن الله تعالى لهم ذلك فقال (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنَّى هذا قل هو من عند أنفسكم) وقال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) وقال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا ولعلهم يرجعون).
3) الحذر من الاشاعة حتى لا نهزم بالرعب فتلك جبهة العدو وليست جبهتنا التي تهزم بالرعب ، وعلينا الا نصدق ما يسمى بالمخططات السرية الا بعد تأكد وعند التأكد علينا الا يخون بعضنا بعضا .
4) معرفة أنَّ ما تقوم به الدول الغربية وغيرها من الدول غير الإسلامية، لربما يكون في طور قناعات معينة ، وليس كل ما يصدر عنهم من قوانين قد يقصدون بها المسلمين، فلربما يكون مقصدهم المسلمين وغيرهم، وأنبه إلى أن هنالك بالفعل قوانين وآراء ومراسيم يُقصد بها المسلمون ولكن من المهم التفريق بينها وبين تشريعات ودساتير يدخل بها الجميع مسلمون وغيرهم.
5) التمسك بحبل الله جميعاً والتوحد بين المسلمين وعدم القبول بالتجزئة، أو الفرقة والتنازع والتخالف ما يؤدي للتشاجر والتدابر، فالله تعالى يقول (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ويقول تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) والمقصد أنَّ الاتحاد قوَّة والاجتماع على كلمة سواء عزَّة وكرامة، وما تكرهه بعض الأطياف في اجتماع خير مِمَّا يحبه بعضهم في افتراق، فإنَّما الذئب يأكل من الغنم القاصية، وإنَّ من دواعي دخول الأعداء في خصوصيات الأمَّة الإسلاميَّة تفرقها فيما بينها، فمن لا يخطط للنجاح فإنَّما يُخطط للفشل، وإذا لم يكن للأمَّة المسلمة خطَّة حقيقيَّة لمناهضة الاعتداءات على ثوابتها وحدودها ووطنها، فإنَّها ستكون جزءاً من مخطط الآخرين ضدَّها، وللأسف فإنَّ هنالك كثيراً من مصائب وقعت بها الأمَّة بسبب ما يقدمه بعض المنتسبين للأمَّة المسلمة من أسباب وذرائع لعدونا لتنفيذ مؤامراته ومخططاته ضدَّنا.

هذا وعلى الله قصد السبيل واحذروا الجائر فالمؤمن كيس فطن
ـــــــــــــــــــــ

تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.

عن الكاتب

دكتور / محمد عبد الدايم علي سليمان محمد الجندي الجعفري

0 التعليقات لموضوع " "


الابتسامات الابتسامات