د/ محمد عبد الدايم الجندي يكتب : هدم الأمـــة تجميد آمال وتمديد آلام


هدم الأمـــة
تجميد آمال وتمديد آلام
        إن الإسلام بعقيدته وشريعته كفيل بتسيير الأمة في مقدمة الوجود الإنساني، شريطة الانتماء إليه، والتبعية المطلقة لمنهجه، وبعيداً عن الترقيع الفكري، والاستيراد السلوكي والأخلاقي، وكانت هذه التبعية لمنهج الإسلام من نعت الأمة في ماضيها الزاهر، وحوي التاريخ في لفائف وعيه هذه الحقيقة، ولما رأى الغرب ذلك وعبّأ جعبته من لوامع الحضارة الإسلامية، أراد أن يجمِّد روافد آمال الأمة، ويضرب بمطارق التدمير على مواضع آلامها، فأعلنها حرباً جند لها مساعير حاقدين، ولم يضع خطاً أو محوراً يفصل بين الحرب المباحة والحرب المحرمة، لأنه لم ير إلا نفسه، ومن هنا كانت نتيجة المعركة محاولة هدم الأمة بتجميد آمالها وتمديد آلامها .
والممعن في معاني " جَمَدَ " ومشتقاتها في اللغة، يجد تناسباً بينها وبين نعت واقع الأمة بها،فآمال الأمة مستهدفة وقد تداعت عليها الأمم، واستنفرت كل جياد في سبيل هزيمتها،فلو قلنا: " تجميد آمال الأمة " من معنى " لم تبرح مكانها تقدماً إلى الأمام " لصح التصوير، لأن الأعداء يريدونها جامدة ساكنة، لا رأي لها ولا مطمح، ولا غاية ولا مفلح، وإذا قلنا أن "تجميد آمالها" من معنى "جَمَد الماء" نقيض ذاب إذا صار ثلجاً وتوقف مَدُّه لصح المعنى أيضاً، فالعدو يريدها أمة باردة، معطلة، لا إرادة لها، ولا تحول لخطوها نحو أمل تهتف به مما تربع في عرْصات عقول رجالها، أو ترفُّع على روابي قلوب محبيها، وإذا نعتت بمعنى أسماء الشهور الجمادى حيث التشتت والتفرق على حد استعمال العرب كما قال الإمام أبو حنيفة، لصح التعبير، فهي أمة حيل بينها وبين ما تروم، وجعل لها من دونه عقبات، وأقيم بينها وبينه سداً من صناعة حُرَّاس الضلال على مواقد جهنم، هؤلاء الذين أدركوا أن بقاء الأمة منوط بعزيمة رجالها،وهمة أبنائها، ودينها وأخلاقها، فأطلقوا سوساً ينخر في نخاعها حتى خارت وشاخت ونخرت عظامها،فلاقت خواءً فهزلت أركانها وتباطأت عن الوثوب وتوانت عن التقدم والنهوض، لأنها صارت جامدة الآمال .
        وأما تمديد الآلام: فالتمديد من معنى المد ومدت بمعنى: بٌسطت وفرشت ووسعت ([1]) وقيل: مُدت زيد في سعتها، من المدد، وهو الزيادة ([2]) .
        وهو معنى ينطبق على واقع الأمة، فالآلام مبسوطة، وقد لُجمت الأمة بعنان شديد الشكيمة ([3]) عن الخروج من قارورة السجن النفسي الذي يحبط كل أمل جديد يفتح نافذة نحو الفتح الحضاري والتقدم العلمي .
        إذن تعيش الأمة بين تجميد آمالها بحال القبض، وتمديد آلامها بالبسط، وهو على خلاف المطلوب من شرائط الرقي والتقدم، وتغييب لملامح القوة التي تعد هي والحياة صنوان، فالحياة هي القوة، والقوة هي الحياة، والقوة أحب إلى الله من الضعف، وأنفع للبشرية من الحياة المرتعشة المهزوزة، تلك الهزة التي أضحى بها المسلمون في هلع وفزع، يركضون رعاديد ([4]) أمام العدو الزاحف من جيش الشياطين، وقد تسورت الأمة معالي التراجع أمام هذا الزحف الهائج، بسبب رِكة بنيانها، ونُجمل أسباب وعوامل هدم بنيان الأمة في عدة معاول فيما يلي:
معــاول هــدم الأمــــة:      
        من سياق التعبير "هدم الأمة" تبدو صيغة تصورية تشير إلى أن الهدم يسبقه بناء،وتلك حقيقة، فصرح الأمة أتعب الأعناق المتطاولة لتصل إلى نهايته، وأرجع بصر المنكرين خاسئاً وهو حسير، وذلك بشهادة رجال الغرب قبل رجالها، ومما ذكر في ذلك قول أحدهم: ( كلما أمعنا في درس حضارة العرب وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة، وآفاق  واسعة، وجامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون مورداً علمياً سوى مؤلفاتهم، وأنهم هم الذين مدَّنوا أوربا مادة وعقلاً وأخلاقاً، وأن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يفقهم قوم في الإبداع الفني، وتأثير العرب عظيم في الغرب، ولم يتفق لأمة ما اتفق للعرب من التفوق، والأمم التي كانت لها سيادة على العالم ([5]) توارت تحت أعفار الدهر، ولم تترك لنا إلا أطلال دراسة، وعادت أديانها ولغاتها وفنونها لا تكون سوى ذكريات، وثبتت أصول شريعة الرسول وفنون العرب ولغتهم أينما حلت)([6]) .
وبعد أن انهالت الأحقاد من عيون الغرب، سهروا الليالي يدبرون كيف يضربون الأمة في مقتل لتنتكس، وترتكس، فتوالت ضرباتهم، وتولدت آثارها لينفلت عقد الأمة فتهون .
        وكانت " ركة العقيدة " ركيزة أساسية في تدمير الأمة المسلمة، وقد استخدم الأعداء أسلحة سامة لتقطيع رابط القوة الوجدانية الذي يشد بنيان الأمة، وهو العقيدة التي جمعت كل الأجناس والألوان والألسنة على كلمة التوحيد .
        وعلى أساس هذا التقطيع قامت معاول الهدم كالمسعورة تمزق وتدمر في صرح الأمة، واتجهت في ذلك اتجاهات عديدة،واتخذت أشكالاً وصوراً متنوعة واجتهدت في هذا التنوع كالأفعى تغير جلدها كل حين .
        وكان من الأيدي الخفية في تدمير الكيان المسلم وتخريب المجتمع، الصهيونية العالمية  فهي العقل الخبيث المدبر وراء كل عقبة تعرقل مسيرة الأمة، وهي المتحكمة في توجهات الغرب وإرسالاته نحو الشرق، والمهيمنة على الإعلام والدعاية، وزعيمة حركات التشويه للدين القويم، وحيث وُجد الخراب وُجدت الصهيونية بدهياً، وقد اتخذت معاول الهدم بتحريك الأيدي الصهيونية وأشباهها طرائق عدة لتفريغ الأمة من عوامل الحياة وصلاحية الوجود وعناصر القوة، ومن طرائقها:
أولاً: تمزيــق الوحـدة الإسـلامية:     
        إن معسكرات الهدم تبيت وهواجس الوحدة تدوي في أركانها، فأمست تمزق، وأضحت تفرق، وجندت لها بعضاً من أصحاب الفرائس المخدوعة حتى صارت الأمة شيعاً وفرقاً، ولله در الشاعر حين قال:
        وتفرقوا شيعاً فكل قبيلـة  فيها أمير المؤمنين ومنبر ([7])
        إنها أدركت أن وراء قوة الأمة قوة العقيدة، وأنها الباعث لروح السيادة على العالمين، فتلك العقيدة الواحدة هي الأساس الذي تقوم عليه الأمة، فهي وحدة في الدين، ووحدة في الرسالة، ووحدة في الكتاب، ووحدة في العبادة، ووحدة في الثقافة، ووحدة في الاتجاه، ووحدة النسيج المتناغم، لا يتسلل إلى بنيتها وهن ولا تفسخ ولا ضعف،قال رسول الله e:} المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ثم شبك أصابعه { ([8]) .
        إنها وحدة تنبعث من وحدة الشعور، تلك الوحدة التي تهيمن على سائر الأعضاء المتناثرة في هياكل متفرقة لتجعلها جسداً واحداً، وقد صور البني e هذه الحالة في قولـه: } ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى { ([9]) .
        إنها وحدة تنسج مجتمعاً غير عنصري ولا قومي، ولا قائم على الحدود الجغرافية، فهو مجتمع مفتوح لجميع بني الإنسان، دون النظر إلى جنس أو لون أو لغة ([10])، فكانت الأمة جديرة بملاحقة الكائدين، لاسيما وأن وحدتها مستمدة من منهج رباني
لهذا كله أراد المغرضون تمزيق هذا الجسد القوي، فانفصلت أعضاؤه بالفصل السياسي بين أقطاره، فصارت الرأس في مكان والذراع في آخر، والقدم في ثالث، إنها انفصلت فصلاً كلياً في المشاعر والآمال والآلام، ونزعت روح الحياة الجامعة لهذه الأعضاء، ولم يبق  منها إلا آثار شعارات وهتافات وطنية وقوميـة لا وزن لها ( فوحدة الأمة ليس شعاراً يرفع، وإنما هو مبدأ نظر في الأصل، وإذا تحول إلى مجرد شعار، فإنه يفقد معناه، فلا قيمة للبئر المعطلة، ولا للنهر الجاري تحت الأرض إذا لم ينتفع بمياههما الناس ) ([11]) .
        والسبب الذي حول المنهج إلى مجرد شعار، تركيز الأعداء على إلغاء هذا المنهج بشتى الوسائل والسبل، ومهما كان الثمن، فكانت هناك أسباب أدت إلى تفرق المسلمين أهمها:
1 ـ إسقاط منهج الله من خارطة الحيـاة:           
        صار الدين محجوراً عليه في المساجد والخلوات بين أربعة جدر، وصارت تعاليمه قابعة في العبادات وكادت أن تمحى من باب الأخلاق والمعاملات، فكيف تتوحد أمة أسقطت رباط التوفيق الوثيق الذي يجمع وحداتها ؟! فكان على رأس ( ما يعوق هذه الأمة اليوم عن أن تأخذ مكانها الذي وهبه الله لها، أنها تخلت عن منهج الله الذي اختاره لها، واتخذت لها مناهج مختلفة ليست هي التي اختارها الله لها، واصطبغت بصبغات شتى ليست صبغة الله واحدة منها، والله يريد لها أن تصبغ بصبغته وحدها، وأمة تلك وظيفتها، وذلك دورها، خليقة بأن تتحمل التبعة وتبذل التضحية، فللقيادة تكاليفها، وللقوامة تبعاتها، ولابد أن تفتن قبل ذلك وتبتلى ) ([12]) فقد ابتليت الأمة بالحضارة الغربية المادية، والاحتلال الذي التهم بلاد الإسلام فكراً وخلقاً، وابتعد المسلمون عن تطبيق منهج الله بفعل هذا الاحتلال والصهيونية والشيوعية ([13]) بأساليب متعددة ([14])، واشتد الأمران: الوهن الداخلي، والتآمر الخارجي، على الكيد للشريعة الإسلامية وتشويه معالمها فكرياً وصرف المسلمين عنها واقعياً
2 ـ الانقسـام السياسـي والتقسـيم الجغرافـي:                       
        لقد أفلحت النعرات السياسية في تصعيد بعض التناقضات وتعميق روح الخلافات، فأدت إلى الصدع بين الزعامات المسلمة وجاء (القرن الرابع الهجري) وأصبح في العالم الإسلامي ثلاثة خلفاء (العباسي في بغداد، والفاطمي في مصر، والأموي في الأندلس) ما أدى إلى اهتزاز ثقة المسلمين، وزاد في طمع العدو الخارجي وضعف العالم الإسلامي، وتوقف المد الإسلامي ثم أخذ بالانحسار ([15]) واتسعت دائرة العصبيات العرقية والإقليمية، التي جعلـت كل مجموعة من المسلمين تعتز بقوميتها أو وطنها على حساب الأمة الكبرى([16])،وقد أخذت مثل هذه المصطلحات الجديدة (القوميات ـ الوطنيات) تنتشر وتطبق،وظهرت الحدود السياسية التي ألغت الصلات الإسلامية والوحدة الشعورية الإيمانية، فتعارضت مع منهج الإسلام في نظرته نحو الأمة الواحدة، فهو لا يعترف بالفواصل الجغرافية
إذن لا وقت ولا فسحة للصراع الفردي أو الطبقي أو القومي الصغير الضئيل الهزيل، فالغايات العليا والأهداف الشاملة تنتظر الجميع ([17])، لأنه أشمل من الجغرافيات، وأوسع من الحدود، وأبعد نظراً من هذه الإقليمية المدعاة الضيقة المحدودة، ولخطورة هذه الشمولية تطلع الأعداء إلى إلغائها بما يسمى بالحدود السياسية والجغرافية، بالصيغة الاحتلالية المجزئة لتلك الوحدة المتماسكة، حتى ألغت المصالح الفردية أو المحلية كل المطامح الشاملة، وذلك بسبب:
        1 ـ اختلاف الولاءات ما بين بلد وآخر، فهذا ولاؤه للندن، والثاني لباريس، والثالث لواشنطن، وآخرون لموسكو، بدلاً من أن يكون ولاؤهم لله ولرسوله وللذين آمنوا، فتناقض بعضها مع بعض، تبعاً للمتولين ومصالحهم وأهوائهم
2 ـ اختلاف المصالح الإقليمية والمحلية التي يتشبث بها المنتفعون من ذوى السلطان ومن يستظل بظلهم، ويدور في فلكهم، برغم استيقان الجميع أن الضرر كل الضرر والخطر كل الخطر في بقاء هذه التجزئة التي تهدم ولا تبني، وتضعف ولا تقوي.
        3 ـ شدة متابعة العامل الخارجي المتمثل في المكائد الأجنبية،من صهيونية وصليبية وإلحادية ووثنيـة،وهؤلاء مهرة في بذر بذور الخلاف بين الدول المنتسبة للإسلام، وتعهد هذه البـذور بالسقي والتسميد،حتى تثمر ثمرها النكد في تمزيق الأمة،إلى حد التعادي،بل التقاتل من أجل حدود متنازع عليها،أو خلافات قديمة،يعملون على إحيائها وإذكائها،أو إثارة نزعات عنصرية،أو تعصبات إقليمية،وهم لا يبالون بالدس والألاعيب) ([18]) التي لا تصدِّر إلى دوائر السوْء على المسلمين .
3 ـ التعصب المذهبـي والصـراع الفكــري:   
إن كلمة "تعصب" مأخوذة من العصبية، وهي أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبيته، والوقوف معها على من يناؤها، ظالمة كانت أو مظلومة، ومن معانيها أيضاً المحاماة والمدافعة والنصر ([19])، والمراد بالتعصب المذهبي هو نصرة مذهب أو فكر معين، ويحدث هذا بين مذاهب الدين الواحد، وقد تجلت مظاهره في مختلف جوانب الحياة عند المسلمين على مستوى المذاهب والطوائف ([20]) وبمدارسة كتب الفرق والمذاهب الإسلامية ( يمكن أن نضع أيدينا على صورة مخيفة لتشظي الأمة المذهبي والعدد الأسطوري للفرق التي كانت الواحدة منها تتشرذم بدورها إلى فرق شتى، ويكفي أن نطالع كتاب (الفرق بين الفرق) ([21]) فقد ذكر ما يزيد على المائة فرقة شهدها تاريخ المسلمين حتى عصره، ولم يقف الأمر عند حدود الجدل ولكنه تجاوزه في كثير من الأحيان صوب اعتماد الصراع المذهبي والعنف، ورفع السيف قبالة (الآخر) لمجرد اختلاف في الرأي أو تغاير في الموقف بالنسبة لهذه القضية أو تلك ) ([22]) .
وقد مارس التمزق المذهبي ـ وما تمخض عنه من صراع حاد على مستوى العقيدة والشريعة والسلوك، وعبر قنوات الجدل أو القتال ـ دوراً خطيراً في تفتيت قدرات الأمة واستنزافها، وإعاقتها عن مواصلة مهماتها الحضارية ([23]) .
        وسبب هذا الصراع المذهبي الذي أودى بالأمة إلى التأخر والتراجع عن الزحف قدماً نحو التقدم الحضاري، يرتكز في عدة أمور أهمها:
أ ـ المغالاة والتشدد والإعجاب بالرأي:          
        يعد الغلو والتعصب للرأي على رأس أسباب التمزق المذهبي، فقد انتشر الغلو والنزوع إلى الجدل النظري العقيم، بدلاً من المرونة والسماحة والتيسير والانصراف إلى الفعل والسلوك، وأخذ بمرور الوقت يغطي جسد الأمة كالبثور السوداء، ومال العديد من المثقفين والعلماء والفلاسفة والدعاة، وشرائح شتى من الفئات والجماعات فضلاً عن الفرق والأحزاب، صوب هذا الاتجاه الذي ينذر بالشر والعقم والأذى، والذي صار طالما حذر منه القرآن الكريم والرسول e
وقال رسول الله e: } إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام { ([24])، وذلك لأن هذه المغالاة تتناقض مع الإسلام، فهو دين الحنيفية السمحاء واليسر والمرونة والجدل بالتي هي أحسن، وهؤلاء المتعصبون المغالون المجادلون قد أبحروا بالاتجاه المضاد فقادهم هذا إلى استنزاف قدراتهم العقلية في ساحات الجدل والمنطق والفلسفة، وصدهم عن توظيف طاقاتهم في سياقها الصحيح من خارطة النشاط الحضاري، فضلاً عن أنه عمق الخناق بين أبناء الأمة الواحدة، وقاد إلى "المذهبية" في أكثر صيغها ـ أحياناً ـ حدة وتطرفاً، لقد وقع ـ في طور من أطوار التاريخ الإسلامي ـ أن احتكت الحياة الإسلامية الأصيلة المنبثقة من التصور الإسلامي الصحيح بألوان الحياة الأخرى التي وجدها الإسلام في البلاد المفتوحة، وفيما وراءها كذلك، ثم بالثقافات السائدة في تلك البلاد([25])، وقد عبأت هذه الثقافات الجعبة الفكرية لدى عقول الناس، فاختلفت نظراتهم حسب النظريات التي ينتمون إليها،مما أدى إلى ارتكاس الأمة وانتكاسها .
ب ـ العصبية والنعـرة الجاهليــة:         
        وقد أدت العصبية والنعرة الجاهلية إلى زيادة وهن الأمة،مما قادها إلى الضعف والتفكك والانحلال،وتردى المسلمون في حالة من العجز في مجال الاختراع والإبداع،وسادهم الجمود والتقليد والتواكل،والانحراف عن النهج القويم، والانشغال بالنعرة والفخار مما يؤدي إلى تكدير الصفو، وأهوى بالمجتمع حتى وقع لقمة سائغة في يد الاحتلال، وخر صريعاً أمام الهجمات الشرسة،وقد قال تعالى في هذه النـعرة
والنصارى بدسائسهم وحقدهم سبباً في فرقة المسلمين، حتى كفرّ بعضهم بعضاً، وحارب بعضهم بعضاً، وقد لعبوا دور الأفعى الملساء في التسلل إلى قلوب الناس فبثوا سمومهم، ومزقوا أوصال الأمة .
وقال رسول الله e محذراً منها:} من قتل تحت راية عميه يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية { ([26]) .  
        ومن ألوان العصبيات الجاهلية الانتصار للراية أو الحزب أو الجماعة أو الطريقة، والتعصب لذلك على حساب كل شيء، فرايته هي الدين، وجماعته هي الناجية، وطائفته هي المنصورة، وطريقته هي المستقيمة وما سواهم ليسوا كذلك، إنه واقع مر لخصته هذه الكلمات([27]) وبهذا أصبح كل من انتمى لطائفته يتعصب لها يعيش مع نفسه، وكأن طائفته هي أمته، وهكذا صار كل حزب أمة، وأسقط مفهوم الأمة الواحدة، مما أدى إلى تقويضها وهدمها .
جـ  ـ الألاعيب اليهودية ومبدأ ( فـرق تسد ) : 
        حيث أقام اليهود دولتهم على كواهل المتمذهبين والمتفرقين في الفكر وفي العقيدة، وذلك ليس بجديد على طبيعة اليهود، فقد جربوا ذلك مع الأوس والخزرج حيث أثاروا الضغائن بينهم، وأوقدوا الحرب والفتنة التي لم تنطفئ إلا بالإسلام، وعلى مر التاريخ وعقده ظل اليهود يعملون بهذا المبدأ الذي وثقوا به، وأيقنوا من نتائجه فعملوا بذلك مع المسلمين منذ أن قامت لهم دولة، وصار لهم كيان منذ العصر الأول في تاريخ الإسلام، وحتى العصر الحديث هذا ([28]) .






تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.

عن الكاتب

دكتور / محمد عبد الدايم علي سليمان محمد الجندي الجعفري

0 التعليقات لموضوع "د/ محمد عبد الدايم الجندي يكتب : هدم الأمـــة تجميد آمال وتمديد آلام"


الابتسامات الابتسامات