تعرف على الدروز



تأسس مذهب الدروز في أحضان العقيدة الإسماعيلية الفاطمية، وأُعلن عنه في عهد الحاكم بأمـر الله، سادس الخلفاء الفاطميين، حين قُرئ سجل من الإمام الحاكم (عام 408هـ/ 1017م) يدعو الناس إلي إعلانه بدون خوف أو تستر ( )، وينادي بألوهيته وعليه فالخليفة " الحاكم بأمر الله " هو محور المذهب الدرزي وكعبته التي يتوجه إليها دعاته وعبُّاده، وذكر أن ظهور المذهب كان قبل الإعلان عنه بثمان سنين، فهناك نصوص من رسائلهم تفيد أن الحاكم أظهر ألوهيته أول مرة سنة 400هـ ( ) وكان للحاكم دعاة يدعون لمذهبه سراً، ويسبحون بحمده ويقدسون له،ومنهم حمزة بن علي بن أحمد الزوزني ( )، الذي قام عليه التأسيس الفعلي لهذه الطائفة، وظل يدعو لها حتى أصبح من أركانها، جاعلاً نفسه رسول الحاكم فأقره الحاكم ولقبه بـ " رسول الله " وأرسله إلي الشام ليترأس الدعوة فاتخذ مقره وادي التيم ( ) ( ) .
وما كانت تلك المكانة التي وصل إليها "حمزة" إلا نتيجة إخلاصه وشدة ولائه للحاكـم إلي أن أصبح ـ كما تشير الوثائق السرية للإسماعيلية ـ من الدعاة الذين يلازمون الإمام، ولا يفارقون مقر قيادته أبداً، وسرعان ما أصبحت له حظوة عند الحاكم بعدما بذله من جهد في تقوية أواصر الدعوة واستطاع أن يجمع حوله بعض الدعاة، واتفق معهم سراً على الدعوة إلي تأليه الحاكم بأمر الله، معتمداً في دعوته علي أصول وأحكام استنبطها من الأحكام الإسماعيلية ( ) وقد لقب الزوزني "باللباد"، ولقـب أيضاً " بالدرزي"، "والسند الهادي" ( ) .
وممن اشتهروا في مذهب الدروز محمد بن إسماعيل الدرزي،وهو من الدعاة المعروفين،كان مع "حمزة" في وضع لبنة "الدرزية"،وإليه نسبت الطائفة،مع أنهم تبرؤا منه بسبب انشقاقه عن حمزة ( )،وبعد انشقاقه عن حمزة في دعوته،مما أغضب حمزة عليه،أخذ القوم يلعنونه ولا يحترمونه،فتركوا النسبة إليه،ونسبوا أنفسهم إلي حمزة "الملقب بالهادي" ( ).
ولعل السبب الحقيق للخلاف بين حمزة والدرزي، أن إسماعيل الدرزي خالف تعاليم حمزة بكتمان سر الدعوة، واتفق مع دعاته ألا يجهر أحد أو يكشف عن مضمون المذهب إلا بعد تلقي الأوامر من "حمزة" نفسه، ولكن الداعي "إسماعيل الدرزي" تسرع في الكشف عن أسرار الدعوة،مما أثار حفيظة "حمزة"، ودفع عامة الناس لمحاربة دعوته الجديدة، ومحاولة الأتراك أنفسهم ـ الذين ينتسب إليهم الدرزي ـ قتله لولا حماية "الحاكم بأمر الله" له، حيث فر إلي قصر الحاكم، وهرَّبه من هناك إلي بلاد الشام، فدعا إلي المذهب الجديد، وانحرف عن مبادئ "حمزة" مما دفع "حمزة" إلي الأمر بقتله، ورغم قتله إلا أن تعاليمه كانت علي درجة من الإغراء في اتباعها، وهكذا فالانقسام لم يستأصل بتاتاً، ولم يزل الدروز حتى اليوم قسمين، فمع أنهم جميعاً متفقون في الاعتقاد "بالحاكم" "وحمزة"، فمنهم من يعمل بموجب تعاليم "حمزة"، ومنهم من يعمل بموجب تعاليم "الدرزي" المتساهلة ( )، وكان مقتل "الدرزي" سنة 411هـ ـ 1021م ( ) .
وكان من أشهر دعاة الدروز والذي حمل علي عاتقه هم انتشار هذه الدعوة وإبلاغها للعالمين "الحسين بن حيدرة الفرغاني" المعروف بالأحزم أو الأجدع، وهو المبشر بدعوة حمزة بين الناس ( ) .
وكان "الحسين بن حيدرة" يبعث بالرسائل إلي الناس لدعوتهم إلي عقيدته، فذاع صيته وصار له شأن عند الحاكم، ما جعل الحاكم يركبه فرساً ويسيره في موكبه، ويوليه عطفه ورعايته، ولكن لم تمض عدة أيام حتى وثب عليه رجل من السنة وقتله، وقتل معه ثلاثة رجال من أتباعه، كانوا معه في مسيرة بالقاهرة، فغضب الحاكم بأمر الله وأمر بإعدام القاتل ودفن الأخرم علي نفقة القصر ( ) .
واستكمـل دعاة الدرزيـة المسيرة في بث عقيدتهـم بين الناس، فبعـد قتل "نشتيكن" و "الأخرم" حمل لواء الدعوة امتداداً لهما المدعو "بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السوقي المعروف بالضيف" وكان له أكبر الأثر في انتشار المذهب وقت غياب حمزة سنة 411هـ، وقد ألف كثيراً من نشراتهم مثل " رسالة التنبيه والتأنيب والتوبيخ" و "رسالة التعنيف والتهجين" وغيرها وهو الذي أغلق باب الاجتهاد في المذهب حرصاً علي بقاء الأصول التي وضعها هو و "حمزة" و "أبو إبراهيم إسماعيل بن حامد التميمي" صهر حمزة وساعده الأيمن في الدعوة، وهو الذي يليه في المرتبة ( ) .
وظل حمزة وأعوانه ينشرون علومهم وأفكارهم، واهتم "حمزة" بمتابعة تلاميذه في تلقيهم لعلوم الحكمة، ومن متابعته أنه " سألهم مرة عما أصابوه من هذه العلوم، فأجابوه بأنهم متدرّسون، وبعد أن أصبحوا علماء وفي لحظة إعجابه بهم، قال: متدرّزون لا متدرسون، أي أنكم أصبحتم متدرزين بالعلوم والعقيدة دخلت فيكم كما يدخل الخيط في النسيج ( ) .
واستمر حمزة في تلقين تلاميذه مبادئ الدرزية حتى شربوا هذه العقيدة .
وإذا نظرنا إلي تسمية هذه الطائفة بالدروز، وهو الاسم المشهور لديهم، وجدنا أن هذا الاسم لم يثبت في مخطوطاتهم الدينية، إذ أن أئمتهم أطلقوا علي مذهبهم اسم " مذهب التوحيد" وخاطبوهم بـ "الموحدين" و "المسلمين" و "الإخوان"، وكنُّوهم بـ "الأعراف" ووصفوهم بـ "الأشراف"، وقد تكون كنيتهم "بنو معروف" لانتسابهم إلي إحدى قبائلهم وتسمي "ببني معروف"، والدروز لم يألفوا اسم الدروز، ولكنهم ألفوا تسميتهم بالموحدين والمسلمين ( ) ومسَّمى "الموحدين" هو الذائع الآن، فهم يحاولون التنحي عن اسم "المسلمين"،مع أنهم ينتسبون إلي المسلمين ظاهراً وتقيَّةً، لأنهم عاشوا في وسط إسلامي ودولة مسلمة، وفي الوقت نفسه يتوددون إلي النصارى واليهود، ويضمرون بغض جميع الأديان .
وكما كان "للدروز الموحدين" دعاة وعلماء في القديم، أصبح لهم زعماء معاصرين، يدعون في السر لمذهبهم ويروجون لأفكارهم، ومنهم:
• "كمال جنبلاط" وهو زعيم سياسي لبناني، أسس الحزب التقدمي الاشتراكي، وقتل سنة 1977م ( )، وكان لجنبلاط نظرة في أصل مذهبه "الدرزي" حيث يرجع به إلي مسالك الحكمة والعرفان الغابرة على مر التاريخ مع إيمانه بمعتقدات حمزة والدرزي، ولكنه أراد أن يُلقي بهالة روحية علي معتقداته فقال: وفي رأينا أنه لا يمكن النظر إلي مسلك التوحيد منفصلاً ومستقلاً عن مسالك الحكمة والعرفان المتقدمة في أدوار التاريخ المعروف والمجهول، والتي عمرت بها حياة المؤمنين الأولين الموحدين في مصر الفرعونية القديمة، وفي الهند وإيران، وفي بابل وآشور، وفي اليونان، وجزر البحر الأبيض المتوسط وعلي انفراج شواطئه، وبالمذاهب العرفانية التي انتشرت في كل صقع من أصقاع العالم القديم ( )، كما أنه ربط مذهبه بحكماء السند والهند، ومن كلامه في ذلك قوله:وكنا نعلم ارتباط الموحدين بحكماء الهند وتقديرهم إياهم وتنويههم ببعض هذه الوجوه المباركة،وكنا خاصة تتبعنا قصة كتاب (بلوهر الحكيم)( ) المنتشر بين الموحدين وهو من كتب وعظهم ( )، وبعد مقتل كمال جنبلاط "خلفه في زعامة الدروز وقيادة الحزب "( وليد جنبلاط ) ( ) هذا بالنسبة للبنان، ويوجد زعماء في بعض دول العالم ومنهم:
• دكتور/ نجيب العسراوى، رئيس الرابطة الدرزية بالبرازيل .
• عدنان بشير رشيد، رئيس الرابطة الدرزية في استراليا .
• سامي مكارم،الذي ساهم مع "كمال جنبلاط" في عدة تآليف في الدفاع عن الدروز ( ) .
هذه لمحات عاجلة حول نشأة الدروز وبعض رجالاتهم قديماً وحديثاً، وأكتفي بهذا التمثيل والتلميح الموجز خشية الأطناب .

تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.

عن الكاتب

دكتور / محمد عبد الدايم علي سليمان محمد الجندي الجعفري

0 التعليقات لموضوع "تعرف على الدروز"


الابتسامات الابتسامات