سلسلة الفقه المالكي إرْشَادُ السَّالِك إلىَ أَشرَفِ المَسَالِكِ فِي فقهِ الإمَامِ مَالِك، لعبد الرحمن بن محمد بن عسكر شهاب الدين البغدادي المالكي(2 )



(فصل) الْمَيْتَاتُ وَالْمُسْكِرَاتُ :
لْمَيْتَاتُ وَالْمُسْكِرَاتُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إِلاَّ دَوَابُّ ومَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ (1) وَأَجْزَاءُ الْمَيْتَةِ نَجِسَةٌ إِلاَّ الشُّعُورُ وَمُشْبِهُهَا مِنَ الرِّيشِ، وَفِي طَرَفِ الْقَرْنِ وَالظَّلْفِ وَالْعَاجِ خِلافٌ (2). وَمَا أُبِينَ (3) مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيْتَةٌ، وَفِي طَهَارَةِ جِلْدِهَا بِالدِّبَاغِ خِلافٌ (4)، وَسُؤْرُ (5) الْحَيَوَانِ وَعَرَقُهُ طَاهِرٌ إِلاَّ مَا يَتَنَاوَلُ النَّجَاسَةَ فَيُكْرَهُ إِلاَّ مَا كَانَ عَلى فِيهِ نَجَاسَةٌ ظَاهِرَة فَيَكُونُ حُكْمُ سُؤْرِهِ حُكْمَ مَا حَلَّتْهُ، وَيَجِبُ غَسْلُ الإِنَاءِ مِن وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْمَاءِ سَبْعاً، وَفي إِلْحَاقِ الْخِنْزِيرِ بِهِ، وَإِنَاءِ غَيْرِ الْمَاءِ وَالاِنَتِفَاعِ: بِمَا فِيهِ خِلافٌ وَلا خِلافَ فِي نَجَاسَةِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ (6) وَالأَرْوَاثُ وَالأَبْوَالُ وَالْمَنْيُ تَوَابِعٌ (7) إِلاَّ أَنْ يَتَغَذَّى الْمَأْكُولُ بِنَجَاسَةٍ فَيَنْجُسُ رَوْثُهُ وَبَوْلُهُ لا لَحْمُهُ وَفِي لَبَنِهِ وَبَيْضِهِ وَرَمَادِ النَّجَاسَةِ وَالْمُسْتَحْجِرِ مِنَ الْخَمْرِ فِي أَوَانِيهَا خِلافٌ وَفِي الآدَمِيِّ لا خِلافَ فِي نَجَاسَةِ الْبَوْلِ وَالْعَذْرَةِ وَالدَّمِ وَشِبْهِهِ وَالْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ وَلا خِلافَ فِي طَهَارَةِ الدَّمْعِ وَالبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَاللَّبَنِ، وَالْمَشْهُورُ نَجَاسَةُ مَنِيِّهِ، وَهَلُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ قَوْلانِ (8) وَالْمِسْكُ طَاهِرٌ، وَإِذَا مَاتَتْ فَأْرَةٌ وَنَحْوُهَا فِي زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ جَامِد وَنَحْوِهِ طُرِحَتْ وَمَا حَوْلَهَا، وَفِي مَائِعٍ يَنْجُسُ، وَلا تَطْهُرُ أَوَانِي الْخَمْرِ بِغَسْلِهَا وَيَكْفِي فِي الصَّقِيلِ كَالسَّيْفِ مُبَالَغَةُ الْمَسْحِ.
(1) مثل ذلك ميتة الآدمي فهي طاهرة على الصحيح ولو كان الميت كافراً لقوله تعالى {ولقد كرمنا بني آدم}.
(2) أظهره النجاسة. وقيل يكره تنزيهاً.
(3) أي ما قطع من الحي كرجل وذراع أو قطعة من لحمه وهو حي فهو ميتة يحكم لها بما يحكم للحيوان بعد موته.
(4) الراجح في المذهب عدم طهارة الجلد، بالدباغ، وأما قوله صَلى اللّهُ عَليه وَسَلَم "أيما إهاب دبغ فقد طهر" والإهاب الجلد فمحمول على الطهارة اللغوية وبعض أهل المذهب جمله على الطهارة الشرعية حملاً لألفاظ الشارع على الحقائق الشرعية وعلى هذا الرأي بالطهارة أبو حنيفة والشافعي وأحمد ولكنه ضعيف عند المالكية.
(5) سؤر الحيوان أي ما يبقى بعد شربه.
(6) أي السائل أما الدم الجامد كالكبد والطحال فهي طاهرة.
(7) فهي من مأكول اللحم المباح طاهرة ومن المحرم والمكروه نجسة.
(8) الصحيح أن الإنسان طاهر في حياته وبعد موته، لأن أحد الصحابة قابل رسول اللّه صَلى اللّهُ عَليه وَسَلَم وهو جنب فاستخفى منه إلى أن اغتسل ثم لقيه صَلى اللّهُ عَليه وَسَلَم فقال الصحابي: قابلتك وأنا أجنب فكرهت لقاءك وأنا نجس فقال النبي صَلى اللّهُ عَليه وَسَلَم: "سبحان اللّه إن المؤمن لا ينجس حيّاً ولا ميتاً".
مُريد الْبَرَازِ (1) فِي الصَّحْرَاءِ يَطْلُبُ مَوْضِعاً مُطْمَئِنّاً رَخْواً بَعِيداً عَنِ النَّاِس لا يَسْتَقْبِلُ وَلا يَسْتَدْبِرُهَا وَلا يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ وَيَتَّقِي الظِّلَّ وَالشَّاطِئَ الرَّاكِدَ (2) وَالْحَجَرَ، وَفِي الْكَنِيفِ يُزِيلُ عَنْهُ اسْمَ اللّهِ تَعَالى، يُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى قَائِلاً: بِسْمِ اللّهِ أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ، وَمِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ، وَمِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ قَائِلاً: الْحَمُد لِلّهِ الّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي، وَيَجْتَهِدُ فِي الاِسْتِبْرَاءِ وَيَسْتَجْمِرُ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ، وَيُجْزِئُ الْوَاحِدُ إِنْ أَنْقَى (3)، وَيَزِيدُ عَلَيْهَا إِنِ احْتَاجَ وَالْمَاءُ أَفْضَلُ كَجَمْعِهِمَا وَيَتَعَيَّنُ فِي الْمَذْيِ عَلى الْمَشْهُورِ، وَهَلْ يَغْسِلُ مِنْهُ جَمِيعَ الذَّكَرِ أَوِ الْمَخْرَجِ قَوْلانِ (4)، وَيَسْتَجْمِرُ بِشِمَالِهِ يَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ قَبْلَ مُلاقاتِهَا الأَذَى يَبْتَدِئُ بِقُبُلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيها خَاتَمٌ فِيهِ ذِكْرُ اللّهِ نَقَلَهُ إِلى الْيُمْنَى.
فُرُوضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْوَجْهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ إِلى آخِرِ الذَّقْنِ أَوِ اللِّحْيَةِ (1)، وَمِنَ الأُذُنِ إِلى الأُذُنِ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْس مُبَاشَرَةً وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ وَفِي تَخْلِيلِ الأَصَابِعِ خِلافٌ (2)، وَالْمَوالاةُ (3) مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، فَفِي النِّسْيَانِ مُطْلَقاً، وَفِي الْعَجْزِ مَا لَمْ يَطُلِ الْفصل وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ. فَفِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ (4)، يَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوِ اسْتِبَاحَةَ مَا يَمْنَعُهُ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَقِيلَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ وَاسْتِدَامَتُهَا شَرْط إِلى آخِرِهِ، وَلا يُضُرُّهُ اخْتِلاسُهَا مَا لَمْ يَقْصِدْ رَفْضَهَا وَالدَّلْكُ فِي الْمَغْسُولِ كَانَتْ صُغْرَى أَوْ كُبْرَى وَالْغُسْلُ مَرَّةً يُسْقِطُ الْفَرْضَ إِنْ أَوْعَبَ، وَسُنَنُهُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الإِنَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ بِهِمَا أَذًى فَيَجِبُ، وَالْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ وَيَسْتَنْثِرُ بِشِمَالِهِ، وَيَجْزِيَانِ بِغَرْفَةٍ وَإِفْرَادُ كُلّ بِغَرْفَةٍ أَفْضَلُ، وَمَسْحُ الأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ ظَاهِراً وَبَاطِناً، وَالتَّرْتِيبُ عَلى الْمَشُهورِ، فَمَنْ نَكَّسَ أًعَادَ مَا نَكَّسَهُ (5)، وَالْبَدْءُ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَالرَّدُّ إِلَيْهِ. وَفَضَائِلُهُ التَّسْمِيةُ وَالسِّوَاك وَبِالأَرَاكِ الأَخْضَرِ (6) أَفْضَلُ لِغَيْرِ الصَّائِمِ، وَفِي عَدَمِهِ يَسْتَاك بِأُصْبُعِهِ، وَمَنْ نَسِيَ فَرْضاً أَتَى بِهِ وَبِالصَّلاةِ، وَسُنَّةً جَعَلَهَا لِما يَسْتَقْبِلُ.
(2) الراجح الوجوب في أصابع اليدين والندب في أصابع الرجلين.
(3) الموالاة هي عدم الفصل بين غسل العضو والذي يليه فصلاً طويلاً.
(4) أما طهارة الخبث فلا تجب فيها النية لأنها إزالة نجاسة إلا المذي ففي وجوب النية في غسله قولن أرجحهما الوجوب.
(5) التنكيس هو مخالفة الترتيب الوارد في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} فمن غسل يديه قبل وجهه وجب عليه العود إلى غسل وجهه ثم غسل يديه بعد ذلك فغسل العضو في غير محله يعتبر لاغياً ويعاد.
(6) الأراك شجر معروف تؤخذ منه عيدان السواك.

تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.

عن الكاتب

دكتور / محمد عبد الدايم علي سليمان محمد الجندي الجعفري

0 التعليقات لموضوع "سلسلة الفقه المالكي إرْشَادُ السَّالِك إلىَ أَشرَفِ المَسَالِكِ فِي فقهِ الإمَامِ مَالِك، لعبد الرحمن بن محمد بن عسكر شهاب الدين البغدادي المالكي(2 )"


الابتسامات الابتسامات