د/ محمد عبد الدايم الجندي يكتب : رسالة من المستشرق المنصف " ول ديورانت " إلى من جهل قدر النبي صلى الله عليه وسلم من أدعياء اتباعه :


·       زهــــــــــد النبي r يتوقل سنام إنصاف " ول ديورانت " :
بقيت كلمات " ول ديورانت " عن زهد رسول الله r شاهدة وثابتة لا تتغير ، فهو الزاهد حين كان مضطهداً ،وحين كل منتصراً ، وحين كان وحيداً ، وحين كان سيد الجزيرة العربية المطاع ، حين كان في أشد المحن ، وحين كان في أوج المجد والانتصار ..وما عهدنا بمثل هذا في تاريخ العظماء ، يقول " ول ديورانت " :
   " كثيراً ما كان يُشاهد وهو يخصف نعليهِ؛ ويرقع ثوبه، وينفخ النار، ويكنس أرض الدار، ويحلب عنزة البيت في فنائه، ويبتاع الطعام من السوق. وكان يأكل بيده، ويلعق أصابعه بعد كل وجبة، وكان طعامه الأساسي التمر وخبز الشعير، وكان اللبن وعسل النحل كل ما يستمتع به من الترف في بعض الأحيان "".
·       تصدي "ول ديورانت" لشبهة اتهام النبي rبالصرع :
إن الإسلام منذ قيام الدعوة وهو يعاني من " حملات عنيفة شنها عليه خصومه في العصر الحاضر ، فهم ينكرون الرسالة النبوية لأنهم لا يقدرون على تصورها في غير الصورة التي يرفضونها ، ولعلهم يلذ إليهم أن يتصوروها على هذه الصورة لأنها تتمشى في طبائعهم مع شهوة الإنكار التي تتسلط على عقول المسخاء ، ولا سيما المسخاء من أدعياء العلم والتفكير " .
وقد قيض الله للنبي r من يذب عنه مفتريات المناوئين من بني جلدتهم ، فكلمات " ول ديورانت " عن رسول الله لها وقع خاص في أجواء الغرب في وقت زادت فيه الحلقات الهجومية عليه ، وتتابعت فيه الحملات التشويهية بأخطارها التي طارت نفوس المؤمنين منها شعاعاً، واستطارت الأفئدة رهباً، هي تلقي بوابل من الدسائس المشينة على كاهل الإسلام المظلوم، وتحمل نبي الإسلام تلك الحملات المركبة المعقدة التي تنقبض عند ذكرها الخواطر، ومن جملة الحماقات الموجهة للنبي والتي تصدى لها " ول ديورانت " زعم خصومه بأن ما كان يحدث له من ارتجاف ليس وحيا ولكنه نوبات صرع وحالات هستيرية ، وقد وقرت تلك الهرطقات في أخلادهم وولغت في وعائها النتن ألسنتهم     أن " الوحي ظاهرة مرضية كانت تعتري الرسول أشبه ما تكون بالصرع ومن أوائل من اتهمه بذلك الكاتب البيزنطي ثيوفانيس، ويؤكد ذلك نولدكه  فيقول: " إن سبب الوحي النازل على محمد صلى الله عليه وسلم، والدعوة التي قام بها هو ما كان ينتابه من داء الصرع "  " وأكد سان بدرو أن النبي كان مصروعاً بمعنى أن الشياطين كانت تسيطر عليه وتتحكم فيه " ، وكذلك وصف رودينسون القرآنَ بأنه " هَلوسة سمعية وبصرية وهذَيان "  ، كما ردد كثير من المستشرقين تلك الهرطقة زاعمين أن تصبب النبي عرقا ، وأن " الحالة التي كانت تنتابه من التغيب عمن حوله هي حالة من الصرع تتمخض عما يخبر به من الوحي "
ونعوذ بالله من هذه الاتهامات والأكاذيب التي لا تستندُ إلى واقعٍ ولا دليل علمي أو تاريخي وينقضها العقل ويكذبها الواقع ، وقد أخذ علماؤنا على هذه الفرية بالرد القاطع  ، والذي يعنينا هنا رد " ول ديورانت " يقول مندهشا من هذه الفرية  :
  " ولكننا لا نسمع أنه عض في خلالها لسانه أو حدث ارتخاء في عضلاته كما يحدث عادة في نوبات الصرع . وليس في تاريخ محمد ما يدل على انحطاط قوة العقل التي يؤدي إليها الصرع عادة ، بل نراه على الكفار يزداد ذهنه صفاء  ، ويزداد قدرة على التفكير ، وثقة بالنفس ، وقوة في الجسم والروح والزعامة ، كلما تقدمت به السن حتى بلغ الستين من العمر . وقصارى القول إنا لا نجد دليلاً قاطعأ على أن ما كان يحدث للنبي كان من قبيل الصرع . ومهما يكن ذلك الدليل فإنه لا ينقع أي مسلم متمسك بدينه  "  .
وقد أحسن ول ديورانت في إسكات هؤلاء الصغار بتلك الكلمات الموجزة الصائبة .
·       ثانيا : موقف " ول ديورانت " من شبهة تعدد النبي للزوجات :
يأتي موقف " ول ديورانت " من شبهة حامت حول تعدد النبي للزوجات واتهامه المغرض بالشهوانية ؛ ليعيد به المغرضين إلى أوكارهم بعد أن انقضوا على هذه المسألة انقضاض البزاة على طرائدها ، وما أكثر هذ الهرطقات التي سطرها الأعدا بحوافر خيول الملاحم الزاحفة إلى بيت المرحمة الإسلامي ، ولكن باستعراض تقارير المنصفين تنقشع تلك الغيوم المتلبدة ، ويندهش " ول ديورانت " من  الهجمة على النبي لأنه تزوج من عدة نساء، ومن اتهامه بالشهوانية قائلا :
 " وتزوج النبي بعشر نساء وكانت له اثنتان من السراري هن مبعث الدهشة والحسد والتعليق والمدح عند الغربيين، ولكن علينا أن نذكر على الدوام أن نسبة الوفيات العالية من الذكور بين الساميين في العصر القديم وفي بداية العصور الوسطى جعلت تعدد الزوجات، في نظر هؤلاء الساميين، ضرورة حيوية تكاد تكون واجباً أخلاقياً. وكان تعدد الزوجات في نظر النبي أمراً عادياً مسلماً به لا غبار عليه، ولذلك كان يقبل عليه وهو مرتاح الضمير لا يبغي به إشباع الشهوة الجنسية ".
كما يدافع " ول ديورانت " عن علة تعدد الزوجات على أنها كانت سبيلا لتأصيل العلاقة بين الصحابة وتعزيزها، مما يؤدي إلى تماسك الأمة ، ويظهر ذلك في زواجه بكل من عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر ، كما يبين أن السبب في التعدد أيضا ؛ الرحمة بالأرامل؛ حيث تزوج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأرامل كالسيدة سودة وأم سلمة وأم حبيبة، رحمة بهم وعونا لهن ، أو أن مراده من التعدد تأليف قلوب أعداء الإسلام وتحبيبهم في الإسلام.
 يقول " ول ديورانت " :
" ولقد كانت بعض زيجاته من أعمال البر والرحمة بالأرامل الفقيرات اللاتي توفي عنهن أتباعه أو أصدقاؤه، وكان بعضها زيجات دبلوماسية كزواجه بحفصة بنت عمر الذي أراد به أن يوثق صلته بأبيها، وكزواجه من ابنة أبي سفـــيان ليكسب بذلك صداقة عدوه القديم "
·       ثانيا : شبهة انتشار الإسلام بالسيف :
القرآن يأمر في آيات كثيرة بأن يسلك المسلمون جادة الاعتدال في الأخذ بهذه المبادئ فيقول "لا إكراه في الدين" "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا" (سورة البقرة 137) "وإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين" (سورة النحل 82) "فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت بهِ إليكم" (سورة هود 57) "فتول عنهم حتى حين، وأبصرهم فسوف يبصرون" (سورة الصافات 174 و175) "وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون" (سورة الصافات 178 و179). أما كفار العرب الذين لم يؤمنوا برسالة النبي فقد أمر بقتالهم ولما أن بدأت الحرب مع قريش وانسلخت الأشهر الحرم أمر المسلمون بقتالهم حيث وجدوهم (سورة التوبة 5) "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا "سبيلهم إن الله غفورٌ رحيم"-"وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه"، "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" (سورة التوبة 5 و6) ومن وصايا أبي بكر لجيوشه أن لا يقتلوا شيخاً عاجزاً عن القتال، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة. وكان على كل مسلم سليم الجسم أن يشترك في الجهاد "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" (سورة الصف 4). ومن أحاديث النبي "والذي نفس محمد بيده لغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خير من الدنيا وما فيها". و"لمقام أحدكم في الصف خيرٌ من صلاته ستين سنة".
" المبادئ الأخلاقية الحربية ليست في واقع الأمر تحريضاً على القتال "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".
" لم يكونوا في حروبهم همجاً متوحشين، انظر إلى ما أوصاهم ، به أبو بكر: "أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكله؛ وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له؛ وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإذا أكلتم منه شيئاً فاذكروا اسم الله عليه؛ وتلقون قوماً قد محضوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيف خفقاً ... اندفعوا باسم الله إلخ"
ثالثا : شبهة أن القرآن من تصنيف محمد r :
يقول مستر كانون سل : " مما لاشك فيه، ولا ينبغي أن يختلف فيه إنسان أن محمد هو في الحقيقة مصنف القرآن وأول واضعيه، وإن كان لا يبعد أن غيره أعانه عليه كما أتهمه العرب" .
-وهو من الأشهر الحرم-أوى وحده أو جمع أسرته في بعض الأحيان إلى غار حراء على بعد ثلاثة أميال من مكة، وقضى فيه عدة أيام وليالي في الصوم، والتفكير، والصلاة. وبينما هو في ذلك الكهف بمفرده في ليلة من ليالي عام 610م ، إذ حدث له ذلك الحادث العظيم وهو المحور الذي يدور عليه تاريخ الإسلام كله. ويقول محمد بن أسحق أشهر من كتب سيرة النبي أنه هو نفسه قد وصف هذا الحادث الجليل بقوله "فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ، فقلت: ما أقرأ؟ فغتني حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال: اقرأ، قال فقلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي، فقال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لا يعلم". فقرأتها ثم أنتهى فانصرف وهببت من نومي فكأنما كتب في قلبي كتاباً؛ قال فخرجت حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول: "يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل: قال فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل. قال فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء قال فلا أنظر من ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفاً ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلب ولما عاد إلى خديجة حدثها بما رأى، وتقول الرواية أنها آمنت بأن ما رآه وحي صادق من السماء، وشجعته على أن يعلن للناس رسالته.
وتكرر الوحي بعد ذلك مرات كثيرة، وكثيراً ما كان يحدث في أثناء هذه الرؤى أن يسقط على الأرض ويرتجف أو تُخشى عليه، ويتصبب العرق من جبينه، وحتى الجمل الذي كان يركبه كان يتأثر ويضطرب في مشيه. وقد قال محمد يما بعد إن مشيبه كان من أثر هذه التجارب، ولما طُل إليه أن يصف كيفية نزول الوحي قال: إن القرآن كله محفوظ في السماء وأنه نزل عليه متقطعاً، وكان ينزل عليه  على لسان جبريل، ولما سئل كيف يتذكر هذه الأقوال القدسية قال: إن جبريل كان يطلب إليه أن يكررها كلمة كلمة  ولم يكن المحيطون بالنبي في هذه الأوقات يرون جبريل أو يسمعونه. وقد يكون ارتجافه ناشئاً من نوبات صرع فقد كان يصحبه في بعض الأحيان صوت وصفه بأنه يشبه صلصلة الجرس، وتلك حال كثيراً ما تحدث مع هذه النوبات، ولكننا لا نسمع أنه عض من خلالها لسانه أو حدث ارتخاء في عضلاته كما يحدث عادة في نوبات الصرع, وليس في تاريخ محمد ما يدل على انحطاط قوة العقل التي يؤدي إليها الصرع عادة، بل نراه على العكس يزداد ذهنه صفاء ويزداد قدرة على التفكير وثقة بالنفس وقوة بالجسم والروح والزعامة، كلما تقدمت به السن حتى بلغ الستين من العمر. وقصارى القول أنا لا نجد دليلاً قاطعاً على أن ما كان يحدث للنبي كان من قبيل الصرع. ومهما يكن ذلك الدليل فإنه لا يقنع أي مسلم متمسك بدينه، وأخذ محمد في خلال السنوات الأربع التالية يجهر شيئاً فشيئاً بأنه نبي الله ) .
ويقول مثبتا لأمر النبوة " ولكنه قائم على أوامر منزلة لا ينازع فيها إنسان، ولعل هذه الأفكار نفسها قد طافت بعقل غيره من الناس، فنحن نسمع عن قيام عدد من "المتنبئين" في بلاد العرب في بداية القرن السابع، وقد تأثر كثير من العرب بعقيدة المسيح المنتظر التي يؤمن بها اليهود، وكان هؤلاء أيضاً ينتظرون بفارغ الصبر مجيء رسول من عند الله وكانت في لبلاد شيعة من العرب تدعى بالحنفية  أبت أن تقر بالألوهية لأصنام الكعبة وقامت تنادي بإله واحد يجب أن يكون البشر جميعاً عبيداً له وأن يعبدوه راضين.
أما القرآن الكريم فهل حقّاً هو المهيمن على الكتب التي قبله؟ وهل استطاع تغيير أمّة؟ يقول ول ديورانت: "وقد ظلّ‏َ (القرآن) أربعة عشر قرناً من الزمان محفوظاً في ذاكرتهم (المسلمين)، يستثير خيالهم، ويشكِّل أخلاقهم، ويشحذ قرائح مئات الملايين من الرجال. والقرآن يبعث في النفوس... أسهل العقائد، وأبعدها عن التقيّد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحرراً من الوثنية والكهنوتية. وقد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي، وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية، وحضّهم على اتباع القواعد الصحية، وحرّر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام، ومن الظلم والقسوة، وحسن أحوال الأرقاء، وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة، وأوجد بين المسلمين (إذا استثنينا ما كان يقترفه بعض الخلفاء المتأخرين) درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض..." .



تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.

عن الكاتب

دكتور / محمد عبد الدايم علي سليمان محمد الجندي الجعفري

0 التعليقات لموضوع "د/ محمد عبد الدايم الجندي يكتب : رسالة من المستشرق المنصف " ول ديورانت " إلى من جهل قدر النبي صلى الله عليه وسلم من أدعياء اتباعه :"


الابتسامات الابتسامات